عندما تهان الأوطان وتتدحرج في مستنقعات الفساد والرذيلة لايمكن التعويل على القطعان المؤدلجة لإنقاذها ، وإنما يتطلب الأمر نخبا قيادية تستوعب ما يجري، وتملك الجرأة على أن تأخذ موقفا يؤسس للتغيير؛ يجعلها تستطيع أن تلملم الجراح وتعيد الامل. نخب وطنية قادرة على استيعاب ما حدث، بعيدا عن أية حسابات مسبقة أو أية تجاذبات سياسية أو جهوية .. نخب تضع نصب عينيها الوطن ولاشيء غير الوطن ! لأن السقوط يؤدي إلى انهيار الثوابت وتلاشي القيم والمبادئ ، ويَكثر المتَُسَوّلون للسلطة والمدَُّعون للحقيقة وينشط المتَُصَعلِكون، وضَارِبو الدفوف من الوصولي والاسترزاقيين وحتى قَارئو ن الكَف والفنجان والنشطاء السياسيين ، والمحلل الانتِهَازي، فتختَلطُ بذلك المياه نن النقية والصافية بالمياه الأسنة الملوثة ، والقول الصادق بالأقوال الكاذبة ، وتسود الفوضى وينتشر الرُعب ، ويَعلو صَوت البَاطل ويتراجع صوت الحَق، ويهرع الشعب إلى الاحتماء ولو بقشة ، تعيد له الأمل وتوفر له الأمن و الامان وتموت الوطنية ، ويُصبِحَ الانتماء إِلى القَبيلةِ وإلى الجهوية حلما مشروعا ويذوب مفهوم الوطنية ، وتنتصر المفاهيم القبلية الضيقة التي تختصر مصلحة الوطن في مكتسبات القبيلة، وبذلك سنعود إلى عصور ما قبل الإسم حيث كانت القبيلة هي الوطن .. نحن نريدُ نخبا فاعلة تبني لنا وطنا يطلقَ العنان للإبداع والابتكار ، وطنا يحافظ على هويته وثقافته وتاريخه ، وطنا نحبه ونضحي منْ أجله ونموت ذودا على حياضه ، وطن للجميع وبالجميع يدا واحدةً نشارك في بنائه وتطويره .. هذا هوَ الوطنُ الذي نريده الفيصل فيه القانون ، وطنٌ يضمن لأبنائه العيشَ فيهِ بكرامة وعزة متساوون في الحقوق والواجبات.
■ عون ماضي