مقالات

أما بعد

غابة جودائم ليست غابة !

بدعوى كريمة من القائد الكشفي والإعلامي الصديق خليل زعميط قمت بزيارة غابة جودائم اثناء إقامة فعاليات مخيم الجوالة الكشفيين العرب في نسخته الثانية والعشرين في أحضان غابة جودائم التي نجت بأعجوبة من الفساد الذي طال كل المرافق المعمارية القديمة وكل المحميات الطبيعية الحيوانية او الزراعية والتي من بينها المباني العتيقة المصنفة من التراث التليد من امثلة مركز الشرطة الذي أسس في العهد العثماني وتم تخريبه ليحل محله المجمع الإداري الذي تم تخريبه أيضا ليتحول المكان الى مجرد اطلال باكية نادبة على تاريخ عريق فرطنا فيه بسبب الجهل والحمق والحنق مثلما فرطنا في كل المباني والفضاءات المناظرة له في القدم والعراقة والجمال ومن بينها حديقة الحيوانات بطرابلس التي صارت أثرا بعد عين ومن بينها الكثير من الغابات العامة التي تحولت اشجارها الى فحم في مواقد الشواء في استراحات العابثين بالأمة كما تحولت الى نار ذات لهب في كراسي الارقيلة في مقاهي الثرثرة الجوفاء …. غابة جودائم كانت الاستثناء الجميل الذي حافظت عليه الكشافة الليبية بل تمكنت من تطويره من خلال إضافة الكثير من المرافق الخدمية والصحية والتعبدية دون قطع شجرة واحدة من أشجار الصنوبر والسرول .. فتلك مرافق تتعلق بالأنشطة الكشفية او العامة وهذه قاعات محاضرات وتلك منامات للمشاركين في المؤتمرات الدولية المحلية والعربية والدولية وهذا مسجد انيق للمصلين الذين صاروا يرتادون المكان صيفا وشتاء فرادى وزرافات وعائلات … في رحلتي الأخيرة الى روما تحسرت كثيرا على اوضاع معالمنا التاريخية ومحمياتنا وغاباتنا عندما رأيت بأم عيني مدى حرص الطليان على المحافظة على معمارهم التاريخي وحمايته من السطو ومن تقلبات المناخ ومن عبث العابثين اذ يقوم الايطاليون بتسييج كل حجرة وكل حبة تراب وكل ركام يتعلق بالتاريخ الإيطالي الموغل في القدم والإبقاء على كل معلم يتعلق بالماضي ومنع نقله او العبث به او الاقتراب منه من باب الحماية وحتى اذا أدى ذلك الى تغيير طريق او اغلاقها او تحويل اتجاهها .. تلك أمم تهتم بتاريخها حتى اذا كان فاشيا واستعماريا ونحن امة تعبث بوجدانها وتعبث بتاريخها حتى اذا كان نضاليا عظيما مثلما تعبث بحاضرها ومستقبلها . غابة جودائم في مدينة الزاوية قبلة شباب العالم الكشفي وغير الكشفي وقبلة الراغبين في التنزه وقضاء أوقات جميلة تحت ظلال اشجارها والتي لم تتسرب لها الفوضى العارمة التي لوثت كل شيء جميل في البلاد رغم ان تسمية الغابة نحت سيميولوجيا نحو السلبية و صارت تطلق على الكيانات التي يأكل فيها القوي الضعيف وتغتصب فيها الحقوق وتفسد فيها الذمم .. غابة جودائم ليست غابة بالمعني السميولوجي بل أضحت مركز اشعاع كشفي وحضاري وشبابي كبير .

■ عبدالله الوافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى