مقالات

أصالة

تقول غناية الرحى وهي تداعب رحاها مع ميلاد يوم جديد فهي تتغنى باستقبال اليوم الجديد الذي يتكون على نغماتها وهمساتها وهدهداتها هي والرحى . تقول غناية الرحى (وين ما بكى عيّل الجار / حليب الشوايل مشاله ووين ماعقب طايح الدار / نزر الأولي لين شاله) عيل / طفل صغير فهو “عالة” على غيره وهو في حاجة إلى من يعوله و”العول” الحاجة وقد تطلق الكلمة على الفقر الشديد ومنه سميت “العيلة” لكثرة طلباتها واعتمادها على من “يعول” أمرها ويهتم بها عيل الجار / تعني طفل الجار والجار له حكمه وله حرمته وله واجباته في الدين الحنيف وفي الأخلاق الأصيلة ولهذا قالوا “الجار قبل الدار” أي عليك أن تختار جارك قبل أن تختار دارك فالجار كما يقولون في غنائنا الأصيل .. (الجار حقه على الجار / يحاميه ويموت دونه والقلب كماي الأسرار / والخاين الله يخونه) فحق الجار على الجار” أن “يحاميه ويموت دونه” .. وكفى بذلك واجبا مقدسا عيل الجار / هو طفل الجار الذي نسمع بكاءه المتصل الذي لا ينقطع ولا يتوقف ولابد أنه إنما يبكي لأنه يريد من أمه شيئا لا تملكه الأم المسكينة .. ولهذا فالجار المحترم الذي يعرف حق الجار وحرمته قرر مباشرة أن “يرسل الى جاره ” (حليب الشوايل) إي نعم .. و”الشوايل” هي الإبل التي تكون غزيرة الحليب فهي “شايلة” للحليب وإرسال “حليب الشوايل” إلى “عيل الجار” الباكي هو قوة حس وسلامة فطرة وعظمة أخلاق وتربية محترمة زرعت في صاحبها أن يهتم لهموم جاره! مشاله / اي تم إرسال “حليب الشوايل” مباشرة وعلى عجل وبكل اهتمام واحترام إلى بيت الجار الذي سمعوا فيه بكاء الطفل .. وتلك هي قيم الجيرة الحقيقية عقب / أي تخلف أحد الجيران عن الرحيل ساعة رحيل النجع ف “عقب” أي بقي في “الأعقاب” أي الذين يتخلفون لعجزهم عن الرحيل لعدم وجود الراحلة التي يحملون عليها متاعهم وأثقالهم فمن لم يملك ” إبلا” فهو عاجز عن مرافقة الراحلين. طايح الدار / هذا الذي تخلف لعجزه عن الرحيل هو “طايح الدار” فداره في حكم المتهدمة والساقطة فهي “طايحة” حتى ولو كانت قائمة ومبنية، فالدار ” الطايحة ” هي التي تبقى وحدها غريبة مهمولة لا يلتفت إليها أحد ويبقى صاحبها في داره متخلفا عن مرافقة الراحلين فهو “طايح سعد وطايح دار” نزر / نزر ينزر بمعنى أمسك وشد وتوقف ونزره تعني رده وأوقفه . الأولي / بكسر اللام الأخيرة .. وتعني الأول في المرحول وهو رائد وشيخ المرحول فهو يتقدم الراحلين دليلا وهاديا وهو لا يكون “هاديا” إن غفل عن حرمة جاره وحقوق الجيرة الواجبة بحكم الدين وبحكم العرف وبحكم الأخلاق العالية فإن الأول في المرحول (نزر المرحول) أي أنه أوقف سير المرحول ووقف أمامه يرده حتى أرسل راحلة إلى جاره الذي تخلف وبقي وحده “طايح الدار” وشيخ المرحول يوقف المرحول .. كل المرحول إكراما لحق جاره حتى (شاله) و”شاله” تعني رحل به بتوفير مركوب له ولمتاعه وأثقاله وأهله حتى يكون الجار “طايح الدار” واحدا من الراحلين بكل احترام .

■ عمر رمضان اغنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى