الفنان يوسف الكردي (ساحر الصندوق) للوقت
بصندوقه العجيب وعروضه الفنية في المدارس شارك في العديد من المهرجانات في الداخل والخارج
ضيفنا هذا الأسبوع فنان متميز عاصرته الأيام ودخل المجال الفني من أوسع أبوابه .. هادياً وعاشقاً له .. كرس كل جهده ووقته ودراسته من أجله .. حباً منه لهذا المجال الذي كان يرى فيه رسالة لابد أن يؤديها على أكمل وجه .. عاصر معترك الحياة .. وبدأ خطواته بثبات ليصبح فنانا له اسم وحضور ومشاركات قدرته على الأداء المتقن وحفظ الأدوار على ظهر قلب .. مكنته هذه الموهبة أن يكون جبنا إلى جنب مع فنانين كبار من سوريا ومصر ومن ليبيا قدموا أعمال راقية في الأداء والمضمون وسجل حضوره المتميز فيها والتي كان منها .. مسلسل بصمات على جدار الزمن وبعثه الشهداء مع محمود المليجي ومحمود ياسين وفنانين من سوريا .. أسعد فضة وياسر العظمة وهاني الروماني وآخرين .. نشأ على حب المسرح وتميز فيه وعمل في الإذاعة المرئية وتنوع في الإذاعة المسموعة من خلال صندوق العجب .. (العرائس المتحركة) الذي طاف به كل المدن الليبية ومدارسها .. مسيرة طويلة من الحضور والسرور والعمل الفني في مختلف مجالاته .. إنه الفنان يوسف الكردي الذي التقيناه في حوار لاتنقصه الصراحة وتحدث من خلاله على بداياته ومسيرته الفنية نقدم لكم تفاصيل هذا اللقاء مع هذا الفنان الرائع والذي بدأناه بالسؤال التالي :
* متى كانت بدايتك الفنية وكيف ؟
بداية شكرا لكم على هذه الاستضافة وشكرا لصحيفة الوقت .. وقبل أن أجيبك على هذا السؤال .. أنا من سكان المدينة القديمة طرابلس مع أنني ولدت في مدينة يفرن .. ولكنني درست في كتاتيب طرابلس وتعلمت القرآن ودرست في مدارسها .. ونحن صغار كنا نتجول في شهر رمضان الكريم في سوق الترك وكان هناك شخص يقال له (عمي الوسطي) يروي لنا القصص والحكايات بخيال الظل بالقماش لشخصيات متحركة وما يسمى (القاراقوز) ونحن نستمتع بمشاهدته . ثم في المدرسة وأنا في الصف الرابع ابتدائي كنت أستمع لجهازالإذاعة المسموعة (الراديو) وكان ذلك في الخمسينات فترة حرب الجزائر وكنت أود الاستماع إلى تمثيليات الفنان عبده الطرابلسي، ووالدي كان لديه مذياع وفي إحدى المرات كان لديه ضيوف وكان يستمع إلى أخبار عن حرب الجزائر في قناة صوت العرب فجلست أستمع مع والدي وضيوفه ووضعت ما يتعلق بالحرب في رأسي . وفي اليوم التالي كان لدينا حصة مع معلم اسمه محمود الحجاجي، وطلب منا أن نرسم أي شيء لأن الموضوع اختياري ، فرسمت حرب الجزائر وعند انتهاء التلاميذ من الرسم بدأ المعلم ينظر في كراساتنا وتوقف عندي وسألني ماذا رسمت فقلت له رسمت حرب الجزائر ، فقال : وكيف رأيت حرب الجزائر فقلت له رأيتها في (الراديو) فتعجب من ذلك وضحك ! ثم جاء المفتش واسمه مختار عبود وأعطاه رسمتي فأعجبته وقال : هذا رسم جميل ومعبر فقال له المعلم شاهدها في ( الراديو) فرد عليه ولم لا ! ممكن يشاهدها في (الراديو) واستشهد بقول بشار بن برد؛ الأذن تعشق قبل العين أحيانا . وكنا نمثل ثمثيليات في المدرسة مثل تمثيلية عشق الذهب وتمثيلية المنجم وغيرها من القصص . وبعد المرحلة الابتدائية درست في المعهد التجاري سنة1961 وتعرفت على إبراهيم الجفايري وعلي أبو دراع وأحمد الغزيوي وهؤلاء لديهم عمل مسرحي؛ المخرج فلسطيني الجنسية اسمه صلاح الشوه واختارني معهم لأمثل في المسرحية . ولم أنه دراستي في المعهد التجاري لصعوبته علي نظرا لأنني لم أدرس الإعدادي ، وحاولت أن أدرس الإعدادي ولكنني لم أوفق وتم تعييني بالشهادة الابتدائية في البريد سنة 1962 ثم تعرفت على الفنان علي القبلاوي وهو زميل دراسة في المسائي وعرفني على الكاتب الكبير أحمد إبراهيم الفقيهوالذي كان يرتاد إحدى المقاهي بشارع الوادي وطلب مني أن أعمل معهم في المسرح فوافقت وسجلني وبدأنا (البروفات) في مسرح (القابي) المسرح الحر حاليا . وكان أول عرض لنا على مسرح الغزالة سنة 1962 وهي مسرحية (الأسطى خربوشة) وأخذ بيدي الإعلامي والمخرج الفنان محمد عبدو الفوراوي حيث أجرى معي حوارا جميلا بعد انتهاء العرض لأنني ارتجلت في المسرحية وخرجت عن الدور فأعجبه ذلك .. وبعد نهاية العرض أخذوا منا مجموعة (كورال) مع الفنانة عفاف محرم وطالت السهرة تلك الليلة وعند رجوعي للبيت بدراجتي عنفني أبي وأخذ مني الدراجة ومنعني من السهر . وعندما أرادوا مني في اليوم التالي الحضور للمسرح للعرض ولأخذ الأجرة وكانت عبارة عن دينار وهو أجر عال ذلك الوقت قلت لهم لا أستطيع لأن والدي منعني وانقطعت ، واستمريت في عملي بالبريد وواصلت دراستي. وفي السبعينات وجدت علي أبو دراع الذي كان زميلي في المعهد يمثل على المسرح الحر في عمل مسرحي لشكسبير وطلب مني الانتساب للمسرح الحر . فالتقيت بالفنان الراحل سالم بوخشيم وطلب مني الانتساب لدورة تدريبة فانتسبت للدورة واستفدت منها الكثير كان هناك مخرج مصري طلب منه الأستاذ سالم بو خشيم أن يضيفني معهم في العمل وكلفني بتلقين الممثلين (ملقنا) وكنت عقب انتهاء (البروفات) أصطحبه بسيارتي لمنزله وكنت أقول له عن بعض الملاحظات وكان يسمعني ولكنه قال لي أنت مازلت تتعلم وتبدي لنا ببعض الملاحظات . ورغم ذلك سنأخذ بها وكانت من بعض الملاحظات عن الإضاءة..وذات مرة تغيب الفنان صالح نصرات وكان دوره رئيسي في العمل وطلب أن يوقف التدريبات (البروفات) فقلت له لماذا تتوقف .. أنا باستطاعتي أن آخذ مكانه في الدور لأنني حفظته من تكرار التلقي، فاختبرني ثم أعطاني الدور وأعجب بي وقال لي يجب أن تنتسب لمعهد التمثيل وذهبت لمعهد التمثيل وأخذت المستندات المطلوبة وعند وصولي للجنة قاموا بمراجعة المستندات فوجدوها ناقصة وكان ذلك اليوم هو آخر يوم للتقديم تأثرت كثيرا وقلت لهم أنا لدي الرغبة ويجب أن ألتحق بالمعهد .. قالوا لي راجع مدير المعهد فذهبت للمدير وكان الفنان كاظم نديم هو المدير فقلت له لدي نقص في المستندات فقال لي أين تعمل قلت له في البريد .. فقال في البريد وتحب التمثيل قلت له نعم وبالمرة أنا أحفظ النشيد الذي آنت كتبته ولحنته الذي يقول هيا ارفعوا علم البلاد وأنشدته له فأعجب بي وبرغبتي في التمثيل وقبل المستندات وكانت الدراسة في الفترة المسائية والزملاء هم مصطفى المصراتي رحمه الله وعلي الخمسي وعياد الزليتني وعبد الرزاق العبارة وتم اختيار 12 طالبا من مجموعة 40 طالبا ، ولكنني تعرضت لنزلة برد .. وذهبت للجنة وأعطيتهم إجازتي المرضية وكان رئيس اللجنة أحمد إبراهيم الفقيه وطلب مني الدخول فدخلت وكانت اللجنة معظمها من المصريين فقال لي ما بالك فقلت له أنا أصبت ببردة وأخاف أن يفوتني الامتحان ولدي الرغبة الجادة في الدراسة بالمعهد فطلب مني إجراء امتحان فوري في الأداء المسرحي الصامت ثم قرأت قصة مع مشهد وهكذا وأنا أقول لهم أنا مريض وعندما أنهيت الامتحان قالوا لي أنت تمثل علينا بأنك مريض أم أنك فعلا مريض قلت لهم الاثنين معا فقالوا لي أنت ناجح وكنت من بين ال12 طالبا الذين نجحوا وبدأت دراستي في المعهد .
■ هل اسم يوسف الكردي حقيقي أم فني ؟
الحقيقة يوسف الكردي هو الاسم الحقيقي ولكن اللقب هو الكوردي وليس الكردي وكتب بالخطأ في البلدية واستمرإلى يومنا هذا .
■ لماذا اخترت المسرح ؟
كانت لدي الرغبة والهواية ، والمسرح يعتمد على التدريبات والحفظ ويتميز بأنه أمام الجمهور مباشرة وسمي ب (أبو الفنون) يعني عندما تختار المسرح فكأنك اخترت كل الفنون .ا
■ بعد الرحلة الطويلة من العمل الفني كيف يرى الفنان يوسف الكردي هذه الرحلة ؟
رحلة متعبة وممتعة بها ضحك وبكاء وفرح وحزن .. والمسرح سمي بالضاحك الباكي وهذا شعاره وحياة المسرح جميلة جدا ويعتبر مثل الملتقى عندما نلتقي في (البروفات) بالأنسة والتعاون كالأسرة الواحدة ولا تشعر بالتعب مع الأسرة الفنية .
■ ماذا أعطاك الفن؟
ماديا لم يعطني شيئا ولكنه أعطاني حب الناس وهدفي ليس ماديا وكنت أقدم عروضا لخيال الظل بالمجان لدور الأيتام ولقسم الأورام ولمستشفى الأطفال ولدار العجزة والمسنين وعندي متعة في ذلك . وأقدم عروضا للإذاعات وبعض الشركات بالمقابل ولا أشترط حجم المبلغ المالي .
■ ما هو رصيدك الفني المسرحي والإذاعي؟
ما بين المسرحي والمرئي وبعض الأفلام القصيرة 100 عمل تقريبا والأعمال المسموعة لا أستطيع حصرها فهي كثيرة ومتنوعة .. ولكثرة اهتمامي بالسينما وشغفي بها فزت بمشاركتي باستبيان في مجلة الكواكب سنة 1969 من ضمن فائزين من مصر والجزائر والعراق .
■ ما هي رؤيتك للفن وكيف تراه اليوم ؟
تطور الفن ولكنه ليس بأياد ليبية 100 % .. أيام زمان كان المخرجون يدرسون ولديهم الموهبة وهم قريبون من البيئة ونشعر بها وهناك أعمال ليبية كثيرة وكانت من أبرز وأفضل الأعمال على سبيل المثال منزل للبيع .. الفال .. الساهرون وعدة مسرحيات فهي كلها قريبة من بيئتنا ؛ ثم دخلت التقنية وخبرات ليست ليبية بالكامل حتى وإن كانوا ليبيين .. ولذلك التطور يجب أن يكون من البيئة أفضل ولدينا فنانين وفنيين في التصوير وفي الإخراج والديكور والتنكر ولكنهم مبعدون .. وأنا والحمد لله اشتركت في عدة أعمال راقية شارك فيها فنانون غيد ليبيين وهي في مضمونها ليبية مثل بصمات على جدار الزمن وهو عمل مشترك مع فنانين من سوريا ومعي عياد الزليطني والطاهر القبائلي ومن سوريا أسعد فضة وياسر العظمة ومحمود سعيد وهاني الروماني وغيرهم ونفذ هذا العمل سنة 1982 وعمل آخر هو بعثة الشهداء بإنتاج غير ليبي من إنتاج منظمة الإذاعات الإسلامية وكان معي الراحل مصطفى المصراتي وفنانون كبار مثل محمود المليجي ومحمود ياسين وأحمد مظهر. أتمنى أن تكون هناك دورات وتقام ورش لدعمم المسرح والفن بعناصر شبابية وجديدة مع زملائهم من الفنانين الكبار .
■ هل حقق يوسف الكردي طموحاته ؟
لم أحقق كل طموحاتي ولكن كانت لي محطات جميلة آخرها مشاركتي في العمل الرمضاني شط الحرية وكانت لي عدة أعمال نجحت فيها وهذا جزء من طموحاتي .
■ هل أنت راض على نفسك ومسيرة حياتك الفنية ؟
ذات مرة قرأت لشيخ فاضل واسمه أحمد الشرباصي وهو أحد العلماء في كتابه يسألونك في الدين والحياة ولديه عبارة تقول ( (يا حبذا لو يتدين الفنان ويتفنن المتدين لخدمة العقيدة والفن السليم) فالفنان بعمله ينوي الخير والعمل الهادف والصالح والمتدين يكتب للفن ليوصل رسالته المطلوبة وهذا زادني حبا للفن ويجب أن تكون للفنان رسالة وهدف .
■ لو لم تكن في المجال الفن فإلى ماذا كنت ستتجه؟
سأتجه للمجال الفني لأنني لا أستطيع غير ذلك وهذه إمكانياتي وهدفي هو إيصال الرسالة الملقاة على عاتق الفن والفنان . ■ عملت في النشاط المدرسي وكنت داعما للكثير من الشباب فكيف تراهم اليوم ؟
علمت الأم وابنتها في معهد جمال الدين الميلادي وفي دار كريسته للأطفال والآن هم أساتذة ودكاترة وفنانون وعملت في عدة مدارس . النشاط المدرسي استفدت منه الكثير وخاصة عندما قدمت حكايات خيال الظل في دار كريسته وفي بعض المدارس وكانت إذاعة طرابلس تنقلها .. ثم طلبوا مني أن أعمل خيال الظل في الإذاعة المسموعة وكانت نقلة غير عادية بالنسبة لي ويرجع الفضل للأستاذة فوزية شلابي واستمررت معهم لأكثر من عشر سنوات وكانت القصص على الأم والجار والأسرة والتعاون والبر بالوالدين وغيرها الكثير من القصص الهادفة .
يتبع …
■ حاوره : بشير حامد جحا