الثقافة تعكس قيم الحضارة
الثقافة هي الجانب المعنوي للحضارة .. وأية حضارة إنسانية كتبت لها الحياة إضافة إلى جانبها المادي فإنها لا تكتمل إلا بوجود أساس جوهري من نتاجها الإبداعي الذي يعكس قيم هذه الحضارة ويعزز وجودها كأحد المظاهر الحيوية التي تضفي على حياة الافراد والمجتمع بكامله الكثير من الفاعلية بتكريس مشاعر الوحدة وضبط سلوك الأفراد والوعي بدورهم في تنمية مجتمعاتهم وتقدمها ..فالثقافة ضرورية لتجذير مفاهيم الانتماء للوطن كما أنها تنمي عوامل النجاح لدى الأفراد وتدفعهم لتحقيق طموحاتهم بما تتيح لهم من آفاق التواصل مع الآخرين . الثقافة هي ذاكرة الشعب التي تختزن معارفه ومساهماته وإبداعاته وتميز أفراده بإظهار إمكانياتهم ودورهم في إثراء الثقافة الإنسانية ، فكل ما يتعلمه المرء قد ينساه ولا يبقى في الذاكرة إلا حصيلته المعرفية التي تحصل عليها الفرد عبر سعيه الحثيث لتثقيف نفسه خلال كل مراحل عمره ليكون عضوا فاعلا في مسيرة مجتمعه.الثقافة هي التي تعكس سلوك الفرد في حياته اليومية فلا يمكن لأي إنسان أن يمارس سلوكا عكس ثقافته، والمثقف هو الإنسان المتوقد الذهن المستنير العقل القادر على اتخاذ المواقف الذي تنسجم مع ثقافته ..فمن كان ذو ثقافة راقية لا يمكن أن يكون سلوكه إلا راقيا يتسم تواصله مع الآخرين بالرقي والفهم والاحترام المتبادل مما يؤدي بالضرورة إلى خلق حالة من الانسجام بين أفراد المجتمع . الثقافة لا توهب بل تأتي نتيجة جهد متواصل من الاطلاع على مختلف فروع المعرفة ليحدث التراكم المعرفي بمرور الزمن ليصبح بعدها مثقفا يتصدر الصفوف الأولى في مسيرة مجتمعه وانطلاقه نحو البناء والتقدم .المثقفون يضطلعون بدور مهم وريادي في بناء مجتمعاتهم عبر توعية الجماهير بالمسار المجتمعي الصحيح للوصول إلى الرقي المنشود بتأكيد الروح الوطنية وتلاحم الجميع من أجل بناء الوطن؛ لا يمكن للمثقف التأثير في مجتمعه إلا من خلال فهمه العميق لأبعاد شخصية للمجتمع الذي يعيش فيه والإلمام بالواقع المعاش ولا يتأتى ذلك إلا بتميز شخصية المثقف بالكثير من الخصال الحميدة التي تجعله محبوبا وقريبا من الناس بتواضعه وعدم عزلته عن الآخرين أو الاستعلاء عليهم إضافة إلى إنتاجه الذي يهتم بطرح ومناقشة القضايا التي تهم الجماهير وطرح بدائل التحول من واقع سيء الى واقع افضل .. وتزداد اهمية وصعوبة دور المثقف قي ظل الثورة الرقمية التي فتحت آفاقا واسعة للتواصل بين الشعوب والأمم وأتاحت للجميع عبر التقنية الحديثة الحوار مما يؤثر على أفكار الشباب بالتأثير على معتقداتهم ومواقفهم وسلوكياتهم عبر حقن وجدانهم بأفكار وثقافات وسلوكيات قد تتناقض مع قيمهم الدينية والأخلاقية وثوابت المجتمع الفكرية والثقافية وهنا يصبح الغزو الثقافي جليا وواضحا في سلوك الأفراد وأذواقهم وقناعاتهم ، وبالتالي فعلى المثقفين التصدي لمثل هذا التوجه الاستعماري الجديد الذي لا يمكن مواجهته إلا عبر طرح الثقافة الوطنية الأصيلة وتوضيح مضار الانسياق وراء الثقافات الوافدة التي جعلت من الانترنت والبث الفضائي المفتوح وسيلة للوصول إلى أعماق ثقافة الشعوب لتدميرها من الداخل وإحلال ثقافة المستعمر مكانها لخلق حالة من التغريب الثقافي وتوجيه سلوكها للتماهي مع ثقافة المستعمر المهيمنة والتوسعية .
على المثقفين في وطني الانتباه إلى حقيقة أنهم يمثلون طليعة الشعب المتميزة بعطائها الثقافي والفكري والأدبي الذي يربط قطاع الشباب بتراث أجداده وثقافته الوطنية النابعة من روح القيم السامية والضاربة الجذور في تربة تاريخه الذي كتبه الأجداد عبر فترات طويلة من النضال المستميت وأنار دربه العديد من المثقفين بعصارة أفكارهم وعطائهم اللامحدود .
■ عبدالله مسعود ارحومة