مقالات

من وحي الرسائل

لكل مقام مقال (الحلقة الثانية)

إن الخطاب (المقال) في مثل تلك اللقاءات والاجتماعات لا يجب أن يكون عاطفياً يدغذغ به المسئول مشاعر وعواطف المجتمعين معه ويغمرهم بشكره وتقديره وثنائه ومدحه ، ولا يجب أن يخصّص كل وقته في خطابه للوعظ والنصح والإرشاد فينسى ما يقتضيه المقام فالخطاب هنا مهني تخصصي محّدد الغاية منه رفع كفاءة ومستوى أداء العاملين بالقطاع للواجبات والمسئوليات المكلفين بها ، وليس أي خطاب آخر ؟! إنّ الخطاب في مثل هذه اللقاءات والاجتماعات هو الخطاب الذي يجب أن يعتمد فيه المسئول على الحقائق ، ويتوقف فيه للمتابعة وتغلب عليه لغة الأرقام والأحصائيات والحسابات الواردة بالميزانيات والخطط المعتمدة ، ويتفحص فيه المسئول المكلف المركز المالي ، وحسابات المصروفات ، وحسابات الإيرادات للجهة المكّلف بإدارتها وذلك لمعرفة حالة البعد أو القرب من تنفيذ الخطط والبرامج المستهدفة بل ومن معرفة احتمالات وتنبؤات الانزلاق نحو هاوية الخسائر ، والفشل والإخفاق والعجز والإفلاس . إن هذه الدعوة بأن يقتصر المقال على المقام وفي حدوده لا تعني أبداً خنق المقال وكتم أنفاسه ، وتقييده وأسره داخل أسوار المقام ، وقفل الأبواب أمام المتحدث ومنعه من الإشارة أو الاستدلال بالحقائق العلمية أو الوقائع التاريخية أو الأحداث السياسية أو غيرها من الشواهد أو الدعوة للتمسك بالقيم الأخلاقية كالصدق والأمانة والنزاهة بقدر ما تعني أن تكون الإشارة لتلك المسائل العابرة وفي معرض سرد المقال المناسب ، وكلما دعت الضرورة لها ، وليست على حساب ما يقتضيه المقام وموضوعه الرئيسي . إنّ مقولة لكل مقام مقال مّل في طياته دعوة ت للمشاركة الإيجابية المنظمة المحددة الرافضة لموقف التفرج أو السكوت السلبي ، وإذا كان المقام يتيح للمشارك فيه فرصة وإمكانية اختيار موقف السكوت فإن المقام في بعض المناسبات واللقاءات الهامة والمصيرية يستدعي من المشارك فيه الكلام ، بل ويفرضه عليه ، ويجعله واجباً ومسئولية أمام ما يسمعه أو ما يدور حوله في المقام ، وخيرٌ ألف مرة للمشارك في مثل تلك المقامات والمناسبات أن يصدع بما يراه مناسبا، وبما يرى فيه الخير والنفع لأهله ووطنه ودينه من أن يظل صامتاً أخرساً ليندم فيما بعد ندماً كبيراً شديداً يلازمه مدى الحياة ، ولا يفارقه في حلمه ولا في يقظته ، ويزداد ندمه وحسرته وألمه عندما يكتشف أنّ أهله صاروا يلعنون موقف صمته وجبنه سراً وفي العلانية وكلما وردت سيرته في مجالسهم ويستّدلون بقولهم المأثور (السكوت وقت الكلام رزية) والرزية هي المصيبة أو الخسارة والأضرار التى لحقت به أو بهم جميعاً بسبب خوفه وإحجامه عن الكلام في ذلك المقام وتلك المناسبة وهو الذي كان بمقدوره أن يتكلم فيتجنب هو وأهله الرزايا والمصائب ، ويتجنب هو هذا الموقف الذي جلب عليه لعنة وعاراً يظل يلاحقه هو و أولاده وأحفاده حتى بعد مماته (فالعار أطول من العمر ).

■ عمر الناجم ديره

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى