الوقت وما أدراك ما الوقت
قال الله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) وهكذا الوقت يمر ولا يتوقف الزمن عن دورته التي جبل عليها عصورا طويلة منذ خلق الله الأرض وما عليها حيث يتعاقب الجديدان نهارا وليلا، والذي لا يواكب الزمان ومتغيراته يبقى في مراوحة واحدة بينما الوقت يمضي ولا يتوقف أبداً (سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا) . لم تسم الصحف والوكالات الإخبارية والقنوات وكل ما يتعلق بدورة الحياة المسيرة بأسماء ودلالات الوقت عبثا فظهرت صحف كالأزمنة والصباح والمساء والساعة والنهار والفجر وغيرها لتنبه الناس عن أهمية اغتنام الوقت حتى لا يضيع هباء منثورا وحتى لا يؤجل العمل الهام لوقت آخر فيتراكم العمل على عمل آخر، وكذلك من يملك التحكم في الوقت فيرحل إلى جوار ربه بحادث أو مرض أو غيره فيعض على أنامله ندما يا ليتني فعلت كذا وكذا ولم أتقاعس على ذلك الفعل ولا يفيده الندم حيث لا ينفعه ولا يكون عذرا مقبولا. بينما العالم يستغل الفرصة في الوقت ويبني ذاته ويحسن حياته ويسير في تنفيذ ما عليه بخط مواز للوقت الذي يمضي حثيثا ولا يتوقف؛ نراوح نحن ما بين المصارف والأسواق والمتنزهات والمقاهي ولعب الورق لإضاعة الوقت الثمين جداً في العمل الصالح أو الوطني أو الواجب المكلف به أو التعبد إلى الله تعالى ، ونتحجج بمرور الوقت وأننا لم ندركه ونبقى حيث نحن جامدين في متاهة الحياة الكبيرة والتي ستنتهي يوما ما. (الوقت ينفذ) هذه العبارة التي طالما أهل الحضارة والمقبلين على الواجب رددوها مخافة أن يسبقهم الوقت فيضيع منهم ويضيعوه، فلجأوا إلى جداول عمل ومهام ولتنفيذها وفق الوقت المطلوب والمحدد حتى يستفاد من الوقت والذي يكاد ينفذ فعلا. دول آسيوية وأوروبية لم تكن مغمورة ولا معروفة صارت اليوم عملاقة في الصناعة والتجارة والزراعة وتصدر ما توفره من منتوجات إلينا ونحن نستهلك ولا نصنع إلا اليسير وغير الكافي حتى لجزء من الوطن كله ، وصرنا نعتمد على ما يباع من منتوجات نفطية والتي تستخرج من قبل شركات أجنبية ، وتوقفت مشاريع الصناعة والزراعة بأسباب واهية؛ الواقعي منها هو حب الركون إلى الراحة وتجنب مشاق العمل ، فجفت الحقول والمزارع المنتجة وصدأت المصانع والمعامل وتلفت وبقت التجارة على حالها؛ استيراد للسوق المحلي فقط ولا توجد سوى بعض المبادرات بتصدير التمور والزيوت إلى بعض البلدان الخارجية . نحن العرب أكثر الشعوب امتلاكا لساعات اليد الثمينة والمزخرفة ونحرص أن تكون ضد الماء والكسر ونقتنيها على أساس زينة فقط كذلك تجد أكثر من ساعة حائطية في بيوتنا ولكن الوقت يمر دون أن ندركه غالبا ودون نتيجة تذكر ؛ تجد المرء يسرع بسيارته حتى يلتقي أصحابه في مقهى ثم يركن إليهم جالسا حتى ساعات طويلة لتدخين (الرقيلة) أو احتساء القهوة وتبادل أطراف الحديث .. والحديث عادة يطول والوقت ينفذ ولا يعود أبدا لصاحبه والله المستعان .
■ محمد بن زيتون