مقالات

نافذة ..

غربة الوطن ولهفة اللقاء

ستظلون على شوق واشتياق ولهفة اللقاء حتى الموت .. انتم أيها المنتشرون في هذا الوطن الواسع الكبير .. ستبقون مبعدين متفرقن غرباء محصورين في دويات قزميه لا يعرف يعضكم الآخر ولا يشعر أحدكم بالآخر .. تفصلكم البوابات والحدود وتحكمكم التأشيرات وجوازات السفر . ستبقون في غياب دائم طالما هناك عوائق وعراقيل وموانع تحد من تواصلكم وتقاربكم ولقائكم المباشر . ستبقون قابعن في أماكنكم حتى النهاية لا تعرفون سوى مسقط رؤوسكم وحدود ممتلكاتكم الصغيرة الضيقة . لا تتجاوزون خط الأفق الذي تنظرون . ستبقون متقوقعن مع أقاربكم وجيرانكم ومن يحيط بكم متناثرين كحبات العقد المنفرطة في مناطق متعددة من الوطن الكبير . ستظلون سنوات العمر مبعدين حتى يهن العظم منكم وتشتعل رؤوسكم شيبا وتقبرون وأنتم لا تعرفون عادات بعضكم ولا لهجات بعضكم ولا بأية عملة تتداولون . ستبقون كذلك تحجزكم المادة ويقيد خطواتكم الدولار و الأورو والدرهم والدينار وتثقلكم مصاريف الحياة وغاء المعيشة وتزيدكم شركات النقل البرية والبحرية والجوية المهيمنة بأثمانها الباهظة الفاحشة هما آخر ما يبعدكم عن بعضكم أكثر فأكثر ويلغي من تفكيركم فكرة التواصل ومحاولة اللقاء . انتم بأصحاب الدخل المحدود الراكضن وراء لقمة العيش ليوم كامل لن تستطيعوا لقاء الأحبة ولن تمتعوا إبصاركم بمشاهدة بحيرة قبر عون في صحراء ليبيا ولا منظر تساقط الثلوج في أسطيف بالجزائر ولا مشهد الغروب على نهر بورقراق بمدينة سا بالمغرب ولا القهوة العالية وعن فكرون في تونس ولا الأقصر والدلتا وخان الخليلي في مصر ولا جبل الشيخ في لبنان . ستحرمون من معرفة الصناعات التقليدية بالمدن العتيقة بوطنكم الكبير . ولن تحظوا بالمشاركة والحضور في المهرجانات الثقافية والفنية والسياحية والحفات والأفراح البهيجة التي لا تشاهدونها إلا عن طريق عدسات التصوير المصطنعة . لن تلتقوا بذلك التتويج والتجديد والمتعة وستبقون تحلمون بموعد لقاء الأحبة وفرصة التحدث والحوار ومعرفة الآخرين ولن تستطيعوا تطبيق الآية الكريمة )) وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا (( وإذا حاولتم الوصول والاقتراب ستخضعون للروتن الإداري وفرض الضرائب والرشوة والاستغال لتقعوا في النهاية في نقمة لالجمرك والبوليس وحرس البوابة . ستهمشون وتنامون على الرصيف إذا ضاعت نقودكم وأوراقكم الرسمية وتمنعون من السفر وتعودون من حيث جئتم إذا لم يكن عندكم تأكيد الحجز وتحالون إلى خانة الانتظار وربما التفتيش والاتهام بأعمال سرية إذا تشابهت أسماؤكم . رحم الله زمنا كان فيه العربي حرا أبيا يجوب الوطن على ظهر دابة لا يستوقفه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ولا يغلق الباب أمامه أحد .

■ عبدالرزاق يحيى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى