عدا عن خروج البلد المضيف ، ألمانيا ، من الدور الربع نهائي ، و مغادرة السباق قبيل أمتاره الأخيرة ، لم تنته بطولة أمم أوربا لكرة القدم بأي من مفاجآت ما كانت توحي به مجريات الدور الأول ، و لكن الذين شاهدوا المباريات ، لابد أنهم قد لاحظوا ضيفا جديدا يعقب (الأستوديو التحليلي) ، و يواكب المعلق أثناء وصفه تناقل الكرة ، بتقديم تكهناته ، من حين لآخر ، لما ستئول إليه نتيجة المباراة ، فتجده يدرج على الشاشة ، في كل مرة ، نسبة تحقيق الفوز لكل فريق بعد تحليله أداء اللاعبين من الجانبين ، مذيلة بعبارة (توقعات الذكاء الاصطناعي) و هو ، تماما ، ما صنع بالنسبة لي ، مفاجأة الحدث. لقد دخل ، رسميا ، ما تم اعتباره الثورة الأكبر لعالم التكنولوجيا طور الخدمة في عالم الرياضة، وصار هذا النشاط الإنساني المفعم بالحيوية والشغف ، شاهدا آخر على أن حلم علماء النصف الأول من القرن العشرين ، أمثال “ألان تورينج” و”جون مكارثي” ببناء أنظمة ، أو آلات، تحاكي الذكاء البشري في أداء المهام ، حقيقة ماثلة ، كما أن لها القدرة على تحسين نفسها بناء على ما تجمعه من معلومات ، بل وتستطيع أيضا التخطيط وحل المشكلات و فهم اللغة البشرية، ومن المنتظر أن يكون الذكاء الاصطناعي واحدا من أكثر التقنيات الحديثة إثارة و تأثيرا في حياتنا اليومية ، وستظهر مآثره في كل شئون حياتنا، تقريبا ، بدءا مما صار توأم يدك ، الهاتف المحمول ، و حتى آفاق حفظ الحياة الإنسانية لمعادلة عمر “نوح” عليه السلام وقد لا تعدم قريبا أن تبعث بسيارتك ، ذاتية القيادة ، لإحضار صديق لك من مطار “معيتيقة”. الذكاء الاصطناعي ، و كغيره مما جاد به العقل البشري ضمن ما عرف بالثورة التكنولوجية التي أعقبت الثورة الصناعية ، هو نتاج عقود من البحث العلمي الممنهج و المثابر و المدعوم بالنوابغ و بالميزانيات الضخمة ، و تتربع الولايات المتحدة ، فالصين ، ثم اليابان ، متبوعة بألمانيا على قمة الممولين للبحث العلمي بتخصيصها نسب ، ثابتة وتزيد قدما ، من ناتجها المحلي الإجمالي لمراكز ومشاريع البحث و التطوير والاختراع ، و لك أن تتخيل حجم ما ترصده الصين لهذا الغرض، على سبيل المثال ، وهي ذات المليار ونصف المليار نسمة ، إذا علمت أن ما تم إنفاقه على أوجه البحث العلمي لديها ، قد جاوز عام (2015) مبلغ مائتين و ثمانية و تسعين دولار للفرد الواحد ، فما سقف التوقعات بشأن نصيب الهيئة الليبية للبحث العلمي في الميزانية ذات المائة و ثمانين مليار دينار التي تم اعتمادها قبل أيام قليلة ويتهيأ كل لما سيفوز به منها . غير بعيد عن مفاعل ديمونا النووي بصحراء النقب ، ينتصب حسبما طالعته ذات مرة مركز أبحاث لا يقل ضخامة وحيوية وربما سرية ، وقد خصصه الإسرائيليون لبحوث الإبل في حين ما نزال نحن نكتفي من التمعن في الحكمة ، والإعجاز العلمي ، لقدرة الله أن قدم آية خلقها على رفع السماء ، و نصب الجبال ، و سطح الأرض بالنظر، فقط ، فيما إذا كان ينبغي غسل اليدين ، أم ولأكثر بركة (نلحسو صوابعنا وراه) .
■ بشير بلاعو