مقالات

للأهمية ..

أمر غير معتاد

لم تعكر أصوات مفرقعات الفرح ، وقذائف البهجة ، صفو ظهيرة يوم إعلان نتائج امتحانات الشهادة الإعدادية ، أو قل أنها لم تكن ، في واقع الأمر ، بحجم ما درج عليه في مدينة صغيرة كصبراتة التي تعبث بجدائلها أمواج المتوسط وتداعب وجنتيها نسائمه فإذا صارت (تصطريبة في تليل يسمعها ساكن دحمان) . قدرت أن ذلك مرده أن الذين بوسعهم الإنفاق ، أيضا ، على مصانع الألعاب النارية بالصين هم ، فقط ، ذوو الأربعين بالمائة من الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ في اجتياز الدور الأول الذي تقدم له مائتان و عشرة ألاف ، حقق النجاح منهم مائة و سبعة و عشرون ألف طالب و طالبة ، وإن كنت أميل ، و تحدوني رغبة صادقة في كون ذوي الناجحين هم الذين آثروا ألا تكون وسيلة تعبيرهم عن الغبطة بنجاح أبنائهم تنوير سماء نتشاركها مع ظلام غزة . و بغض النظر عما إذا كانت نتائج التحصيل تلك ، تعكس المستوى الحقيقي للعملية التعليمية في ليبيا ، أم أنها مغلفة بطبقات من الشك ، فقد لفتني أمران اثنان ، فيما طالعته على المواقع الإلكترونية ذات الصلة ، و من بينها موقع وزارة التربية و التعليم ، وأولهما أن الذين تقدموا لامتحانات الشهادة الإعدادية من طلاب التعليم الديني هم ، فقط ، (139) مائة و تسعة و ثلاثون تلميذا و تلميذة ، حالف الحظ منهم أربعة وسبعين ، من الجنسين ، فيما سيحسم أمر الباقين ، على غرار نظرائهم بالتعليم العام ، بالدور الثاني . وفي ضوء هذا العدد الرسمي المعلن ، وغير القابل للتشكيك بصحته ، ألا ينبغي أن نتساءل عين كيف امتلأت حياتنا بأعداد صار يصعب حصرها من الذين تملؤهم الثقة في القدرة على الفتوى ، حتى و “مالك” في المدينة ، و هل بات النشء من الليبيين و الليبيات يتلقون تعليما دينيا موازيا ، أم أن طيفا من الفضائيات و مواقع الإنترنت ، أمسى لها كل هذا التأثير، فصارت تكمل الدور بعد فض حلقات الدرس بين قندهار و بيشاور ، واستعادة الجوارح و ذوات المخلب و الناب أوكارها بجبال تورا بورا ، غداة بسط طالبان يدها على كابول . أما الأمر الثاني ، فإنه و على الرغم من كل ما يقترفه بعضنا من فعائل تحدق بوحدة تراب الوطن ، و تهدد لحمة أبنائه ، فإن ما يثلج الصدر ، حقا ، أن ما يقارب الربع مليون طالب و طالبة قد تقدموا لامتحانات شهادة إتمام التعليم الأساسي في كل أنحاء ليبيا ، في وقت واحد ، فأجابوا على ذات الأسئلة ، و جرى تصحيح أوراقهم ، وتقويم درجاتهم ، وفق قواعد متماثلة ، ثم أعلنت جهة واحدة النتائج و نسبها ، فتشارك الليبيون ، جميعهم ، اللحظة الفاصلة بين الترقب و اليقين. أما ما ينغص على الأمر كله ، فهو استقالة السيد رئيس المركز الوطني للامتحانات ، المتلفزة ، كونها تشي بالحجم المهول لفساد العملية التعليمية ، إن صدقت التكهنات بكون استقالته هي صرخة احتجاج على استشراء الغش. إن ذلك لا يعني أننا ، فقط ، نلطخ بمزيد السواد حاضرنا و إنما ، أيضا ، نشوه منذ الآن ، صورة المستقبل .

■ بشير بلاعو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى