طرق سيارة ترصف وكباري عملاقة تشيد هنا وهناك، لكنها رغم حيويتها وجدواها المنتظرة منها، لم يضع مصمموها ومنفذوها ومن تعاقدوا معهم على تنفيذها لم يضعوا في الاعتبار النمو الديمغرافي وازدياد الكثافة السكانية على المدى البعيد في الاعتبار.عندما تم تنفيذ الطريق الدائري الثاني في ثمانينات القرن الماضي كان إنجازا كبير اسهم حينها وحتى وقت قريب في تسهيل حركة التنقل بن أطراف مدينة طرابلس ووسطها، لكنه أمسى الآن كما لو كان زقاقا ضيقا خل ساعات الذروة، اسهمت في افقدان فعاليته عوامل كثيرة من بينها عدم وجود وسائل نقل جماعي جيدة ومنظمة وفعالة، الأمر الذي جعل وسائل النقل الخاصة المتسببة في المختنقات المرورية سيدة الموقف. “حدث ذلك لأن النمو الديمغرافي يسبق التخطيط” . هذا ماقاله لي الدكتور الطاهر الجهيمي عندما كان آنذاك امينا للجنة الشعبية العامة للتخطيط، ذات لقاء صحفي أجريته معه في العام 2009 حول الآثار الجانبية السلبية التي نجمت عن إزالة المنطقة الصناعية والتجارية بسوق الثلاثاء، والتي تزامنت حينها مع إزالة أجزاء من منطقة الهضبة الشرقية دون توفير البديل من اراض مناسبة داخل مخططات سكنية معتمدة، الأمر الذي ولد عشوائيات أخرى متفرقة في أكثر من مكان عوضا عن عشوائية واحدة. وما دعاني للنبش في أمر مضى عليه خمسة عشر عاما، غياب التخطيط الذي ينبغي أن يسبق النمو، ذلك لأن المشاريع التنموية التي تنفذ الآن لم تضع في الحسبان المتغيرات الديمغرافية على المدى البعيد، وإمكانية توظيفها لأكثر من غرض.في العديد من بلدان العالم نجد مسارات القطارات مواكبة للطرق السيارة والحافت الكهربائية المعلقة تحتضن االجسور والطرقات العلوية، ومسارات للدراجات الهوائية ،مع استثمار المساحات التي تفرضها هذه المشاريع في بعض النقاط كمواقف للسيارات.لو كان التخطيط يسبق النمو، وكانت هناك مخططات سكنية معتمدة بكل البلديات منذ ذلك الحن ماكانت كل هذه التجمعات السكانية العشوائية التي جرى إزالتها من مسار الطريق الدائري الثالث موجودة اساسا، وما كانت تكلفة هذه الطريق بهذا الرقم الضخم، وبهذا البطء في التنفيذ. وكم نحن بحاجة كل عام لإنجاز تنموي جديد يلبي احتياجات النمو الديمغرافي من مستوصفات ومستشفيات قروية ومدارس ومرافق خدمية عامة، فهل يستنهض اهل الحل والربط الهمة، ونشهد مستقبلا تخطيط فعال يسبق النمو، أم سيبقى الحال على حاله، طالما التخطيط في حد ذاته بحاجة إلى تخطيط ؟.
■ إدريس أبو القاسم