مقالات

(نافذة) ..

الطريق إلى الجبل

من يراقب الطريق الممتد من الجبل الغربي حتى الساحل ياحظ الكم الهائل من السيارات المارة في الاتجاهن والتي تزداد لوتيرتها مع مساء يوم الخميس ونهاية عطلة يوم السبت من كل أسبوع . نظرا لتنقل العائات القاطنة في مدينة طرابلس وبعض المدن الساحلية الأخرى التي ترغب في زيارة مسقط رأسها بالجبل و التواصل مع أهلها إضافة لمن يرغب في التنزه والاستمتاع بالطبيعة واستنشاق الهواء العليل النظيف . أيضا القاصدين الشقيقة تونس عبر معبر وازن بعد غلق منفذ رأس اجدير . كل هذه الحركة المتواصلة خلقت نوعا من التزاحم والإرباك في القيادة فوق طريق فردي يربط مدن وقرى متناثرة ويشق فضاء سحيقا خاليا من إشارات المرور التنبيهية والأماكن الخدمية .. لا شيء من هذا ولا ذاك ولا حتى ((كميستي)) بمعدات بدائية .. مع نهاية عطلة الأسبوع تأخذ السيارات طريقها نزولا من منافذ سلسلة الجبل الأشم عبر طرق ملتوية وهى تتدافع وتتسابق في خط طويل ومظلم سيارات ممتلئة بالعائات والنساء والولدان عائدين باتجاه مدن الساحل بعد قضاء العطلة مع الاهل والأقربن القاطنن في قمم الجبال وباطنه يعودون وهم كلهم نشوة وفرح ومسرة وأكثر حيوية ونشاط لاستقبال أسبوع آخر مثقل بمتاعب الحياة وسط مدن صاخبة باكتظاظها وضوضائها وخصوصيتها الرسمية . لقد اعتاد المقيمن من أصول أهل الجبل بالمدينة بأن يأخذوا من حن لآخر قسط من الراحة في موطنهم الأصلي في أعالي الجبال ليعودوا بذاكرة الأجداد وينعموا بعبق التاريخ ويستمتعوا برائحة أعشاب (الاكليل والزعتر) وغيرها من نباتات الجبل الفواحة ويغوصوا في الأودية بن أشجار الكروم والعنب والنخيل ويشربون الماء الزلال من العيون الرقراقة النابعة من بن الصخور ويشاهدون بصمات من عاشوا قبلهم محفورة على الصخور والجدران والديار القديمة الخالية .جميل هذا التواصل وهذه العاقة الروحية والاجتماعية النبيلة لالتي تسهم في ربط جسور المحبة بن الاجيال من الطرفن .. ولكن المحزن والمؤسف والذي يقطع القلب تلك المشاهد التي نراها تتكرر من حوادث السير .. فهناك سيارات تتدحرج من قمة الجبل بداخلها أسرة كاملة وفي لحظة تتقطع أجسادها وتصبح أشاء متناثرة وتتحول المركبة إلى خردة ثم تنفجر وتشتعل بها نار ملتهبة التي تتقد بصدور من فارقوهم قبل لحظات . ومشهد آخر لسيارة مزركشة بكامل زينتها تصدح بموسيقى صاخبة واضواء مبهرة تزف عروسا بزيها الأبيض في غفلة تقبع هى الأخرى وفي قاع الوادي لم يبق منها إلا جزء من معدنها مكتوب عليه بالقطن الملصوق ألف مبروك . كثيرة تلك المآسي التي تقع بطريق الجبل والتي راح فيها شباب ورجال ونساء وأطفال وتحولت فيها لحظات الفرح واللقاء مع الأهل والأحبة إلى بكاء وحزن وحسرة وندم يستمر لأيام أو شهور بل ربما إلى أعوام مآسي كان سببها إما سرعة جنونية أو تهور في القيادية أو طريق انتهت صاحيتها وأصبحت مليئة لبالمخاطر والمطبات في انعدام الصيانة الدورية الازمة وعدم وجود لالإنارة و العامات والإشارات الدالة. طريق طويلة متعبة تقطعها بن لالساحل والجبل بدون خدمات تجعل من السفر إلى هناك يحسب له ألف حساب .. فمتى تتحول طريق الجبل إلى طريق نموذجية مزدوجة مريحة بدون مخاوف ؟ ما نأمله فقط هو قضاء عطلة أسبوعية هانئة في ربوع الجبل الأشم وباقي المدن الليبية العامرة .

 

■ عبدالرزاق يحيى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى