مقالات

عزف منفرد

شاهد عيان

السلطة عبارة عن كرسي ذهبي براق، ما أن يجلس عليه أحدهم حتى تتحول قاعدته على الفور إلى كتلة جذور وعروق تبدأ في النمو والتمدد، تخترق خشبه ومساميره وتشق طريقها إلى أعماق الأرض، تستحكم بصخورها وقبورها وأشباحها ودهاليزها المظلمة، ف الجالس يستطيع فكاكا من اكرسيه، ولا الريح العاتية تستطيع خلعه عنه . مع مرور الوقت يصير المنصب جزءاً من جسم الشخص الذي يتقلده، يتحول من عباءة يرتديها إلى جلد يكسو عظامه ويغطي عروقه، يصبح الاثنان كائناً واحداً لا يمكن الفصل بينهما أو إبعادهما عن بعضهما البعض .. تزيد قيمة الكرسي ويرتفع ثمن السلطة بوجود أولئك المتطفلن حول المسؤول الذين يسعون لكسب رضائه بأي شكل ويتسابقون على تقديم الخدمات له بكل الصور، هؤلاء النكرات لا همّ لهم إلا تبجيل هذا المسؤول والسعي للتقرب منه من خل ا مدحه المستمر والإشادة المتواصلة به واعتبار كل يفعله أو يقوم به من الخوارق ولا يستطيع أحد غيره أن يجاريه أو يتشبه به . يصدق المسؤول ذلك ويعيش تحت تأثير هذه الأكذوبة ويتصرف من خلالها وتكبر عنده (الأنا) وتتضخم فيعيش في برجه العاجي ويبتعد تدريجيا عن الناس وتغيب عنه قضاياهم وهمومهم خاصة بعد أن تقيم زمرته حوله ستاراً يفصله عن محيطه وتبني أمامه سوراً يزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم بحيث يحجب عنه رؤيتهم ويمنعه من الاقتراب منهم أو الالتقاء بهم .. ونظراً لكل هذه الهالة والمزايا التي يقدمها المنصب ويوفرها الكرسي يزداد المسؤول تشبثاً به وتمسكاً بتلابيبه، ويصبح مستعداً للقيام بأي فعل من أجل البقاء في أحضانه وبن ذراعيه فيصير الفصل بينهما مهمة عسيرة وغاية لا تدرك .. ما نعيشه اليوم بكل وضوح وما نلمسه الآن بكل واقعية يجعلنا نردد بصوت مسموع بأن هذا النموذج ينطبق على جميع الجالسن على الكراسي عندنا، من رؤساء الدول إلى رؤساء الاقسام .

■ خالد الديب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى