في الأدب
لكل أمة لونها في تعبيرها وهذا اللون ينبع من حسها الخاص وينبع من طبيعة لسانها وشكله في خروج الصوت وجرس الصوت وفي تنغيم الصوت وينبع من ثقافتها التي تولد من تاريخها وتطورها وتولد من دينها الثابت الذي لا يقبل التغيير ولا التعديل لأنه وحي الله تعالى فهو “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه” وهذه “الثوابت” في أدب كل أمة هي كثوابت لونها وملامح وجوهها وشكل ترابها ومنابت شجرها وطبيعة مناخاتها وتضاريسها .. وهي “الأمة” والأمة “أم ” فالأم هي من تصنع “الأمة” لأن الأم هي الذاكرة وهي النسب الباطن فينا في عروقنا تربية وتلقينا ومناغاة ونحن لانعرف الكلام وهي الكلام الذي ثبت فينا ونحن لانعرف المعاني ولا نرد الجواب وهي النغم الذي يمشى في عروقنا قبل أن نعرف معنى الدندنة ومعنى التنغيم .. ف الأم هي الأمة فإن غابت الأم تربية فقد ضاعت “التربة” الأصلية التي نبذر فيها “طفولتنا” فتنبت طفولة لا عروق لها لأنها لا تربة لها فالتربة التي تحتضن العروق هي التربية والتربية هي الأم والأم هي الأمة فهي معان يولد بعضها من بعض ولا تقبل التجزئة ولا تقبل التباعد .. ومن هنا نلمح اختفاء “لون الأدب العربي” كماه بلسانه ووجدانه وكيانه والحانه وافنانه لأن “التربة” وهي “التربية” غابت فنبت نبات لا عروق له ولا أرض له فجاء لونا هجينا فيه من كل الآداب كأنه ثوب الفقير أو المهرج فهو لا يدل على احد بعينه ولا يحمل بصمة ولا هوية الأدب بدايته في عروقه والعروق لا تنبت إلا في تربتها .. والأدب الذي تغيب عنه تربية الأم بحكاياتها ونغماتها وحسها وروحانياتها يولد ادبا غريبا لا أم له كأنه تربى بعيدا عن الناس في الخلاء فجاء كلامه خليطا من اصوات الريح وقصف الرعد ومن اصوات الحيوانات ولكنه لا إنسان فيه أو هو فيه إنسان لا بصمة له ولا لون فيه ولا هوية تسنده .. وتلك هي احدى مشاكل أدبنا العصري الذي تقرأه فتجد فيه انماطا من فرنسا وبريطانيا والمانيا وروسيا ولكنك لا تجدنا نحن فيه حتى نبت في شعرنا شعر يفقد ميزة العربية في جرسها الذي يقوم على الوزن في كلامه العادي فكيف وهو شعر وغناء وانغام .. نتابع بقية الحديث في مقال جديد
* عمر رمضان اغنية