بعيدا عن هرطقات عباقرة وأدعياء التحليل السياسي والاستراتيجي العرب المسكونين بهاجس المؤامرة والخوف من المتغيرات السياسية التي تشهدها المجتمعات الغربية بعد حرب الإبادة التي يتعرض لها سكان غزة ، ووصف ما يجري من تظاهر وتنديد بهذه الحرب غير المتكافئة في جل العواصم الغربية الداعمة للعدوان بالمسرحيات ، في محاولة لإقناع المواطن العربي أن الغرب بقيادة البيت الأسود الأمريكي، يضعون اعتبارا أو أنهم يحترمون حفنة العماء الذين يسيطرون على المشهد السياسي في الصحراء العربية ! والقفز على حقيقة مايجري رافضن الاعتراف بأن الوعي الجمعي بن فئة الشباب وخصوصا الشباب الأمريكي الذي كان مغيبا عن ما يجري من أحداث خارج حدود الولايات المتحدة ، قد أدرك حقيقة هذا الكيان العنصري وهمجيته التي كشفت أكاذيب الحكومة الأمريكية وادعاءاتها بحماية حقوق الإنسان ، وبأنها الشريك الفعلي من خال دعمها ومساهمتها في هذه الحرب غير المبررة ، واستخدامها لحق النقض في مجلس الأمن ضد أي قرار إدانة قد يصدر ضد إسرائيل التي لم تترك حجرًا على حجر .. لتكون اللحظة التاريخية الفارقة التي صوتت فيها إدارة بايدن على زيادة المساعدات المالية ، ل «إسرائيل» بداية شرارة الغضب التي انتشر في حرم الجامعات الأمريكية ، واعتقال مئات من طاب جامعة كولومبيا، بسبب دعمهم للفلسطينيين، لينتشر السخط على سياسات البيت الأبيض، كالنار في الهشيم داخل كل الجامعات ، والمعاهد الأمريكية ، ليصبح نموذجًا يحتذى في بلدان أخرى داعمة ومساندة للكيان المحتل مثل بريطانيا وفرنسا واليابان وكندا وألمانيا وحتى في استراليا. لتتوحد بذلك مطالب الطلاب في كل هذه الدول حول إنهاء الاتفاقيات المبرمة بن جامعاتهم ومصنعي الأسلحة الإسرائيليين والشركات التي تشارك في الاحتال والإبادة الجماعية لسكان وأطفال غزة .. لتكون بذلك أول مكاسب عملية طوفان الأقصى، نجاحها في إيصال صوت القضية الفلسطينية إلى معاقل الصهيونية التاريخية في الداخل الأمريكي والأوروبي والتعريف بالحق العربي في أوساط ومجتمعات مخدرة ومغيبة بفعل الآلة الإعلامية الصهيونية ، لتحقق بذلك غزة مالم يستطع النظام السياسي العربي فعله بكل ما يملك من إمكانيات على مدى نصف قرن من الصراع العربي الصهيوني ! كما أنه كان لصمود المقاومة ومن وراءها أبناء وشيوخ غزة تأثيرهم في رسم وتحديد اتجاهات بوصلة هذه الانتفاضة ، الطلابية وانحيازها للشعب الفلسطيني ما شجع قطاعات أخرى في المجتمعات الغربية على الالتحاق بمعسكر التضامن مع فلسطين وإدانة الاحتال الصهيوني ، الأمر الذي بدأ يثير مخاوف السلطات الحاكمة في أمريكا والدول الأوروبية . فهذه الثورة الشبابية المعادية للامبريالية والاستعمار الجديد وجعلها تستحضر تلك الانتفاضات التي اجتاحت الجامعات الأمريكية وموقفها الرافض للحرب على فيتنام ودورها الفاعل بل الأساسي في إقناع الرأي العام ببشاعة العدوان ، وبأن ماتقوم به الإدارة الامريكية هي حرب استعمارية غير مبررة وكيف وضعت نقطة النهاية لتلك الحرب . قد يبدو للبعض أن هذا التضامن والدعم مستغرب من الشباب الأوروبي والأمريكي للقضية الفلسطينية كونه معاد للصهيونية التي تعتبر مشروعا أمريكيا غربيا لتنفيذ السياسات الاستعمارية في المنطقة العربية وهو استغراب مشروع ، لكن يجب عدم التقليل من فاعليتها ، والإقرار بنجاح عملية السابع من اكتوبر، في التعريف بالقضية الفلسطينية في الداخل الأمريكي والغربي عموما .
■ عون عبدالله ماضي