مقالات

يا مسؤولين .. أعيدوا النظر في عدد سفاراتنا بالخارج

يحتاج العالم لقنوات تواصل بين الشعوب والأمم الأمر الذي أوجد العلاقات الدبلوماسية لتأكيد العلاقات والمصالح المشتركة بين الدول .. ومن هذه الضرورة الملحة للتعاون الدولي وجد السلك الدبلوماسي الذي يتكون من سفراء وقناصل مهمتهم ربط العلاقات مع الدول الأخرى من خلال التعاون المثمر وتعزيز العلاقات بين الشعوب .. وتعرف الدبلوماسية بأنها) نظم وسائل الاتصال بين الدول الأعضاء في الجماعة الدولية (ويعرف الدبلوماسي بأنه) شخص تعينه الدولة كمبعوث لتمثيلها ومتابعة شؤونها في المجالات المختلفة أو تمثيلها في منظمة دولية( ولا أعتقد أن كل شخص قادر على القيام بهذه المهمة المعقدة والحساسة إذ لا بد من توفر شروط فيمن يكلف مبعوثا لدولته لدى دولة أخرى أو من يرغب في العمل بهذا المجال الحيوي .. فالدبلوماسي لا بد أن تتوفر فيه الثقافة والقدرة على التفكير المنطقي للوصول إلى اتخاذ قرارات سليمة تنبع من حسن تقديره للمواقف والتعامل معها بعقل راجح وإمكانيات ذهنية فائقة التركيز وأقصد هنا بالمواقف تلك اللحظات التي تواجه الدبلوماسي وعليه أن يستجيب لتحدياتها بفهم عميق لكل القضايا الكبيرة والمصيرية في معترك الحياة السياسية الدولية . كما أن هناك الكثير من المواصفات التي يجب أن توجد في شخصية الدبلوماسي ليكون ناجحا في مهمته ومن بينها حضور البديهة وامتلاك ثقافة واسعة بأهم القضايا الدولية التي تشغل الرأي العام الدولي وأن يكون ملما بتاريخ البلد الموفد إليه ولديه إحاطة تامة بنظامها السياسي وعادات شعبها وتقاليده ومكوناته العرقية والدينية ومستوى تقدمه الاقتصادي والثقافي والعسكري .. إضافة إلى معرفة واسعة بنخبها السياسية وتوجهات أحزابها وأشهر كتابها وأدبائها والشخصيات المؤثرة في واقعها الأساسي والاجتماعي .. وعلى الدبلوماسي أن يكون صبورا متأنيا وأن يبتعد ن ردة الفعل العاطفية محكما عقله فيما يواجهه من مواقف وما يتناوله من قضايا . كما أن على الدبلوماسي أن يكون قادرا على إدارة الأزمات التي قد تحدث بين بلاده والدولة المبعوث إليها وهذا الأمر يحتاج إلى كثير من الحكمة وحسن التصرف حتى يمكن له النجاح في تلطيف الأجواء بين البلدين وفي حالة وقوع مثل هذه الأزمات وفشل الدبلوماسي في التعامل معها فقد تكون سببا في قطع العلاقات بين البلدين . إن اختيار العناصر المؤهلة وذات الكفاءة في العمل الدبلوماسي ضرورة تفرضها المصلحة الوطنية والعلاقات القائمة مع الدول الأخرى خاصة أننا في زمن تشابكت فيه مصالح الدول باعتبار أننا نعيش عصرا يتسم بالصراعات الدولية العميقة التي تحتاج دبلوماسيا يكون حذرا ويقظا وواعيا بأسباب هذه الصراعات ومطلعا على أسبابها متنبئا بنتائجها وتداعياتها .. ولعل من الشروط التي وضعت لمن أراد أن يلتحق بالعمل الدبلوماسي أن يكون حاصلا على مؤهل جامعي في تخصصات مثل القانون والعلوم الاقتصادية أو الاقتصاد وغيرها … وهنا فإنني أتساءل هل كل من يحمل مؤهلا جامعيا يمكن أن يكون دبلوماسيا ناجحا وقادرا على تمثيل بلاده أحسن تمثيل؟ من المؤكد أن يكون الدبلوماسي مؤهلا اكاديميا ولكن في ذات الوقت علينا أن لا نغفل الجوانب الأخرى التي بدونها لن ينجح الدبلوماسي في عمله ولوكان حاملا لشهادة جامعية .. ويأتي في مقدمة هذه الجوانب كاريزما الشخص ومدى قدرته على التأثير في الآخرين بإشعاع شخصيته أضافة إلى روحه الاجتماعية القادرة على التواصل بطريقة سهلة ومنفتحة ويأتي شرط الإلمام بالمتغيرات السياسية في المقدمة متمتعا بالقدرة على التحليل والاستنتاج واستشراف آفاق هذه القضايا ومدى تأثيرها في مهمته المكلف بها كما أن أسلوب التعامل مع وسائل الإعلام شرطا آخر يحتاج إلى استعداد ذهني ومعرفة أساليب الصحافة المقروءة أو المرئية التي عادة ما تتوارى وراء اسئلتها المصاغة بعناية، والتي يخيل للبعض بأنها بريئة نوايا ليست حسنة .. وكثير ما وقع الدبلوماسيون في حبائلها وفخاخها المنصوبة بكثير من الخبث والدهاء .. وعدم قدرة الدبلوماسي على التواصل مع وسائل الإعلام بالأسلوب الذي يرتقي إلى مستوى طرحها قد يوقعه في مواقف حرجة مما يعود بالسلب على مركزه كممثل لبلاده أو على مصالحها وعلاقاتها مع الدول الأخرى أو يجعله محل سخرية وسائل اعلامية أخرى معادية لبلده .. وبالنظر إلى كل ذلك يجب على رجل السلك الدبلوماسي أن يكون ملما بطبيعة العلاقات العامة وأن يتميز بالذكاء وكثير من الدهاء في مثل هذه المواقف التي تتطلب إجابة منه فيما يسأل فيه من قضايا وأزمات . كل ذلك يقودنا إلى واقع الدبلوماسية الليبية التي لا تنقصها القدرات البشرية من الشباب القادر على تمثيل بلاده والقيام بهذا الواجب خير قيام وتبقى المشكلة كامنة في عدد السفارات والبعثات الدبلوماسية التي وصل إلى (134) سفارة وقنصلية شملت حتى دولا صغيرة لا يوجد بها عدد يذكر من الليبيين أو استثمارات ليبية بها .. إن هذا العدد من السفارات والبعثات الدبلوماسية يحتاج إلى كم هائل من الموظفين مما يرفع حجم الإنفاق إلى مستويات مالية غير مسبوقة ..وأمام هذا الواقع فإننا نجد أنفسنا بحاجة إلى إعادة النظر في عدد سفاراتنا بالخارج وتقليص عدد العاملين بها بما يتناسب مع حجم علاقاتنا مع دول العالم الأخرى والتركيز على سفارات فاعلة ونشطة مع دول ذات أهمية لنا .. نرتبط معها بعلاقات اقتصادية وتجارية وعلمية وتقنية .. وما يجب أخيرا التنويه به هو إن العمل الدبلوماسي انعكاس لفاعلية البلد ودورها في مجريات السياسة الدولية وتأكيد حضورها في القضايا ذات الصلة بالمصالح الوطنية العليا .. ومن هنا وجب على الجهات ذات الصلة وأقصد هنا وزارة الخارجية أن تكون في مستوى واجبها الوطني المناط بها .. كما يجدر الإشارة هنا إلى ضرورة تطوير كليات العلوم السياسية وهي مهمة وزارة التعليم العالي ليمكن من خلالها تخريج سياسيين مؤهلين أكاديميا ذوي معرفة بقارات العالم ودول كل قارة وفتح أقسام يتخصص الطلب بها في دول القارة الإفريقية أو أوروبا أو الأمريكيتين أو دول آسيا إن كل ذلك كفيل بإيجاد عناصر قادرة على العمل بالسلك الدبلوماسي ولديها القدرات المناسبة لمواجهة عصر يتسم بالتحولات السياسية الكبرى وطبيعة العلاقات المتغيرة بين الدول .

● عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى