يوما ما كانت لدينا ورشا ومصانع صغيرة في مساحتها، كبيرة في الأداء والمهارة في جل المدن الليبية، في طرابلس كان سوق الثلاثاء قبل الإزالة الارتجالية عنوانا يشهد له القاصي والداني بالكفاءة وحسن الأداء، ففي ورشه آنذاك لم يكن هناك شيء مستحيل، ففيه صنعت آلات تصنيع خزانات المياه والوقود بأيد ليبية ماهرة وبإمكانيات محلية مائة بالمائة، مثلما كانت هناك وفرة في العديد من المنتجات الأخرى التي يفتخر الليبي بأنها « صنعت في ليبيا «. كان هذا الزخم الإنتاجي موجودا في وقت لم يكن هناك شيء أسمه صندوق التحول للإنتاج، ولا هيئة عامة لتشجيع الاستثمار، أو مراكز عالية للتدريب والتأهيل ! الآن ومع وجود كل هذه المسميات تكاد تكون الصناعة المحلية معدومة، وإن وجدت فهي حبيسة الصناعات الغذائية من معجنات وحلويات وعصائر ومشروبات غازية تحديدا، وتظهر باحتشام كبير في السوق أمام مثيلاتها المستورة من الخارج ! فما الذي أفضى لهذا الحال؟ بعد ما كنا دولة مصدرة للعديد من السلع ذات المردود العالي، بتنا نستورد كل كبيرة وصغيرة، لازمة أو غير لازمة من كل بلدان العالم، جلها دخلت على خط الصناعات التحويلية بقوة ليقينها بفائدة هذا التوجه في تنويع مصادر الدخل من جهة وتوفير فرص العمل وتحسن المستوى المعيشي للأفراد من جهة ثانية، وبدلا أن يحذو رأس المال الوطني حذو أقرانه في هذه البلدان، استكان للتجارة المعتمدة بشكل كلي على الاستيراد يحدث هذا لأن منظومة الصناعة في بلادنا التي تعاني ارتدادات هيمنة القطاع العام في مرحلة ما على كافة مفاصل الدولة، ظلت حتى هذه اللحظة تعاني خل ا كبيرا ومركبا جعل الجميع يغض الطرف عن التفكير في خوض تجربة من سبقونا في مجال الصناعات التحويلية، ولا حتى مجرد التفكير في هذا الموضوع لأسباب لها أول وليس لها آخر، تدخل المنفعة الخاصة ضمنها، الأمر الذي أدى إلى بقاء ناتج معاهد التدريب المهني العليا والمتوسطة في إطار المحصلة الصفرية، رغم الفائض البشري الظاهري لها كل عام ! القطاع الخاص الذي يعول عليه في هذا الأمر بعد العام 2011 ، لم يبادر كما ينبغي لأنه لم تعط له الضمانات الكافية والمؤكدة للانط اق الفعال كي يدخل على الخط بقوة وهو مطمئن ومرتاح البال، ولأنه لازال قطاعا ناشئا لم يعرف بعد كيف ينفذ من شرنقة القوانن والقرارات المتشابكة والمعقدة المعطلة لأي رغبة في دخول مجالات الإنتاج الحقيقية العاجزة فعليا حتى على تخصيص وإدارة منطقة صناعية تلم شتات القادرين على الإضافة.
إدريس أبوالقاسم
zinta55@ yahoo.com