قال الشاعر : سافر تجد عوضا عمن تفارقه … وانصب فإن لذيد العيش في النصب .. التمس العذر للشاعر الذي قال هذا البيت ،لأنه ربما لم يجرب السفر عن طريق المعابر البرية في وطننا العربي … فلو لامس طبيعة تلك المعاناة يوما واحدا ، لغير موقفه من السفر برمته .، ولأقتنع أن السفر قطعة من عذاب …! والمسافر عبر معبر رأس جدير ،يلامس بعضا من تلك المعاناة ،فمجرد وصوله إلى المعبر يرى أعددا هائلة من المسافرين ، وقد تعددت أغراض سفرهم، منهم المريض الذي ارتبط بموعد مع عيادات تستوجب منه المراجعة، ويحرص أن يأتي في الموعد المحدد … ومنهم أصحاب عائ ات لديهم أقارب وأصهار في تونس، وهم عدد محدود ،ومنهم أصحاب الأعمال الذين لديهم ارتباطات في تونس وهم عدد محدود … ومنهم مسافرون لغرض السياحة وهؤلاء عدد قليل جدا. اما البقية فهم تجار من ليبيا وتونس بمختلف تخصصاتهم، يحملون مختلف البضائع ، تأتي البنزينة على راس تلك المواد ، وهؤلاء هم العدد الأكثر من الجانبن ، ويشكلون نسبة عالية … وحن تنظر إلى وجوههم تجد غالبيتهم من شريحة الشباب ،ومنهم من هو في بدايات تلك المرحلة ، ومنهم من لم يصل سن العشرين … فتتألم حن ترى هؤلاء الشباب قد رمت بهم الحياة إلى أمتهان هذا العمل، على حساب دراستهم، وتعليمهم، الذي يسهم في بناء وطنهم … شباب في مقتبل العمر ، تتمنى أن تعج بهم قاعات الجامعات ، ومراكز البحوث ، ليبنوا مستقبلهم ، بصورة صحيحة، ولا تستهويهم هذه الأعمال ، رغبة في المال على حساب المستقبل . البقاء في تلك الطوابير تحسسك إن الساعة ليست الساعة ،والدقيقة ليست الدقيقة ،واليوم بطوله ليس ذات اليوم بحساب معاناة الانتظار… فالجميع يعاني من البقاءفي طوابير لساعات والمحظوظ من يمر عبر بوابة المراسم ، إذا اسعفه الحال . . تأتي إلى البوابة الليبية فتتم الإجراءات بسرعة ويسر ، دون تعطيل ، فتشعر بأنك سوف تغادر بسرعة ،لكن هذا الشعور يتبدد ، فإذا بك في طوابير امام البوابة التونسية البطيئة نتيجة دخول السيارات، من باب واحد حيث لا يتم دخول أي سيارة، إلا بعد أن يعطى لها الإذن من خلال الإشارة الخضراء فتمر عبر الحجرة الخاصة بالمسح بالأشعة على كل سيارة داخلة ،الامر الذي سبب تعطي ا في إجراءات العبور عندما تقف في طابور السيارات المغادرة، وتجلس في سيارتك، تكون أحلى اللحظات عندما تتقدم السيارة التي أمامك بمقدار متر ،فالحركة تدب كدبيب العنكبوت في الصوف، تترجل من سيارتك تحملق في تلك الطوابر التي يصدعك منبهاتها، حن يقلق راكبيها من الانتظار ،وهو تعبير عن رفضهم لهذا الحال ، الوجوه شاردة ،يعلوها القلق، تمط شفاهها أسفا .تنتظر أن تتقدم ولو متر واحد ،فالساعات في طابور المغادرة ثقيلة خاصة عندما تحشر مركبتك بن طوابير السيارات ،فقرار العودة إلى الخلف غير ممكن ..وتزيد وتبرة القلق في نفسك عندما تشعر بخطورة الموقف ، فسيارتك محشورة بن السيارات، والكثير منها محمل بالبنزين، فلو يحصل حريق تكون الكارثة أكبر … لا أدي ماهي طبيعة الأمان في تصميم هذه الحارات ،التي لا تستطيع الخروج منها إذا دخلتها. إنها قبور مفتوحة تعج بالمسافرين .. ما عليك إلا الصبر الذي تقنع به نفسك ،فالصبر مفتاح الفرج كما يقال .حن تمر الساعات ويأتي دورك في المرور من ذلك المحشر الرهيب ، تدخل البوابة التونسية بعد أن أخذ منك التعب مأخذه وتتنظر دورك في المرور لتستقبل حزمة من أشعة أكس ،ولا أدي ما إذا كانت هذه الحزمة ضارة أم لا ؟ وهل عملت دراسات حولها …؟ ولكن في سبيل المرور كل ذلك يهون . ويسلم رجل الأمن التونسي إليك بطاقات يتم كتابتها بصورة مستعجلة، ولا أدري لماذا هذا الجهد، وهذه التكاليف فالعالم تجاوزها من خلال المسح الإلكتروني . و تتقدم إلى مكتب تسجيل مركبتك الذي يوثقها هو الٱخر وتأخذ جزء من الوقت على حساب بقية المسافرين . وتتنفس الصعداء حن يقول لك رجل الجمارك واصل ،واصل، واصل …. بعد نظرة تفتيشية على مركبتك . تغادر وقد أخذ منك التعب مأخذه وغادرتك متعة السفر . وتصير مرهقا تبحث عن أقرب فندق تستريح فيه، من يوم حافل بالمعاناة … ويستفزك سؤال : هل هذه المعاناة موجودة عند كل الدول ؟ أم تراها في وطننا العربي فقط ؟ فيعتصرك الالم حينما ترى الحدود بن الاتحاد الاوربي مجرد خط فسفوري على الأرض، لا تشعر باجتيازه ، إلا إذا دققت الانتباه … بينما في وطننا العربي مازلنا نتفن في بناء البوابات بن شعوب الوطن الواحد . ومادام لابد منها ،وصارت أمرا واقعا. أتمنى الاهتمام بتلك المنافذ والمعابر بصورة أكثر إشراقا .فالمنافذ انعكاس لصورة الداخل والاهتمام بها لا يقل عن الاهتمام بالشوارع والميادين في الداخل ،أتمنى تنتهي معاناة المواطن من خ ال دراسة اسباب تعطيل الإجراءات ووضع الحلول المناسبة مع الاشقاء في تونس من خلال فتح أكثر من مدخل … حفظ الله بلادنا ..
■ الدكتور. خليفة العتيري