تمر علينا في هذه الأيام الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل شيخ المالوف وعمدته العالية في مدينة طرابلس الشيخ محمد أبوبكر توميًّه المشهور ب قنيص، الذي توفى إلى رحمة الله تعالى يوم الخامس والعشرون من شهر مارس 2000 ، وشُيِّع إلى مثواه الأخير في اليوم التالي في جنازة مهيبة سار فيها كبار القوم، ومشائخ النوبة ومريدوها، وتلاميذ الشيخ وأصدقائه ومُحبِّيه، ودُفن في مقبرة سيد مُنيذر بعد إلقاء كلمات التأبين في حقِّه، وانتهت بذلك مسيرة عطرة لرائد من روَّاد نوبة المالوف الليبي، قضى سنوات عمره في نشر وتحفيظ مقاطع تراث النوبة العريق، في كثير من زوايا الطريقة العيساوية، والنوادي والمدارس، وقام بأدائه في عديد المُناسبات الدينية والاجتماعية بالمدينة وخارجها، وسجَّل العديد مع نوبات المالوف بُصحبة فرقته العتيدة في الإذاعة الليبية المسموعة والمرئية. وقد ربطتني بالمرحوم الشيخ علاقة وثيقة ملؤها المحبة والود والتقدير والاحترام المتبادل، بدأت في صيف عام 1968 ، أثناء مشاركتنا في مهرجان الشباب العربي بالجزائر، حين التحقتُ مع مجموعة عازفو الكمان من فرقة النادي الأهلي المصراتي الموسيقية بفرقة النشاط المدرسي في مدينة طرابلس، التي شاركت في المهرجان المذكور. وقد أقمنا معا لمدة أسبوعين في المعهد الزراعي بالغيران، في تدريبات واستعدادات فنية مُتواصلة قبل سفرنا. استمرت علاقتي به بعد ذلك، واستضفته أكثر من مرة في برنامجي المرئي مع الموسيقا، الذي كان يُبثُّ من التفزيون الليبي خلال عقود مضت. وزرته أكثر من مرة أيضا في بيته العامر بمنطقة سيدي خليفه، لإجراء مُقابلات شخصية معه تحدَّث خلالها عن تراث نوبة المالوف الليبي، وكان ذلك أثناء جمعي لمادة أطروحة الدكتوراه، التي كنتُ أُعدُّها في السَّنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي.
* د. عبد الله مختار السِّباعي