يفرض واقع الاعلام وتقنيات الاتصال المتسارعة أمراً جديداً أشبه بإنهاء خدمات جيل قديم أمام جيل جديد من بعده، ربما هذا ما يراه البعض أو يعتقده الأغلبية من ممارسي مهنة الإعلام وحتى أهل الاختصاص وحملة المؤهلات العلمية في هذا التخصص ، وهذا يقودني للحديث واستحضار بعض المقارنات ربما تسهم في توضيح بعض الاشكاليات وإزالة الغشاوة التي حجبت العديد من الحقائق بين أهل الاختصاص والمهنة تحديداً، و كوني أستاذاً في هذا المجال وترأست المؤسسة العامة للصحافة نحو سبع سنوات وأشرفت على العديد من الرسائل العلمية بين دكتوراه وماجستير في الإعلام في داخل وخارج ليبيا وحاولت جاهداً إثراء الساحة الإعلامية بعدد من الكتب المتخصصة في الصحافة والعديد من البحوث ذات العلاقات ، و المساهمة والإشراف على عدد من المؤتمرات العلمية المحلية والدولية ، أجد نفسي مضطراً للحديث في هذا المجال كرؤية استشرافية لتصحيح المسار في هذا المجال الشائك. عليه أصبح لزاماً على كليات الاتصال والإعلام الاهتمام بمسألة تدريس هذه التخصصات وفق ماتقتضيه الضرورة و ما فرضه واقع التطور التقني والرقمي بعد أن أصبحت التقنية الرقمية جزءً لا يتجزأ من العمل الصحفي و تخطت الصحافة مهام جمع الأخبار و تحريرها إلى ضرورة إنتاج قوالب صحفية مبتكرة، في وقت ربما اختفت فيه الصحافة الورقية واتجه الجميع إلى المنصات الرقمية بمختلف تكويناتها، و هذا بدوره لا يعني بطلان أهمية الكتابة الصحفية وفنون التحرير الصحفي و قوالبه واستفهاماته المتعارف عليها التي أصبحت ضمن ثوابت المهنة، غير أن أسلوب الصحافة الرقمية فرض نفسه بسبب ما أشرت إليه سابقاً، فأسلوب الصحافة الرقمية يطغى عليه السرد القصصي الذي أصبح يتماشى مع نمط اشباعات و استهلاك الجمهور، فالإعلام صناعة لها سوق عمل يعني (الجمهور = زبون مستهلاك، والصحفي = صاحب
الإنتاج و مسوق) إن صح التعبير، وهذا يقودنا إلى أن المزاوجة بين التجربة العملية و التجربة النظرية أمر مهم في مناهج تدريس الصحافة حالياً، فالحقبة الرقمية فرضت واقعاً جديداً لا يقتصر على الممارسة فقط بل وصل إلى مناهج تدريس الصحافة في كليات الإعلام والاتصال لتتماشى مخرجاتها مع سوق العمل، باعتبار أن الجامعات تُعد لبنة أساسية من لبنات المجتمع، فعندما يكون بعض الأساتذة غير ممارسين للمهنة عملياً تغيب هنا مسألة المزاوجة بين «الخبرة المهنية والأكاديمية» ، فتغيب على الأستاذ المتخصص القدرة على الخروج من سياق الكتب التقليدية، وكل هذا ينعكس بدوره على مخرجات كليات الإعلام والاتصال، و أحدث مايمكن أن نصفه بالفجوة الجيلية بين بعض الأساتذة وطلابهم، فالتحسين المستمر لبعض المقررات الدراسية في كليات الإعلام والاتصال، بحيث يكون هناك توازن بين الجانب النظري والعملي، ربما يجد الطالب نفسه أمام تناقضات بين ما يدرس في الجامعة وبين ما هو متاح في سوق العمل، ربما هذا يكون أول سبب لعزوف الطلبة عن حضور المحاضرات الدراسية، وفي هذا السياق تقول مديرة التحرير المساعدة في شبكة الصحفيين الدوليين: يجب على كليات الإعلام أن تعيد النظر في مناهجها التعليمية من خلال استقدام هيئة تدريس ملمة بالتوجهات الرقمية و التقنية، وهو ما سيجعل الكليات أكثر تكيفاً مع الاتجاهات الإعلامية الحديثة بالتزامن مع انتشار أدوات السرد القصصي وتقنياته الحديثة ». وختاماً لا يعني هذا الحديث الانتقاص من قيمة الأستاذ المتخصص في هذا المجال لكن الضرورة تقتضي التحرك لتقويم العملية التعليمية في مجال الإعلام والاتصال و لتصبح ذات فائدة مرجوة، فالجانب الأكاديمي لا يمكن اختزاله في هذا السياق فقط، وهذا بدوره يسري على مواد ومناهج معينة، فهناك مناهج دراسية ذات طابع معرفي توثيقي وأديباتها ثابتة، مقرراتها شبيه بدراسة مراحل التاريخ الذي يفرض نفسه، لذلك يجب أن نكون على حذر عند الحديث عن الثابت و المتغير في مناهج كليات الإعلام و الاتصال.
* أ.د. عابدين الشريف