العملية العسكرية الفريدة والمتميزة التي قام بها المقاتلون الفلسطينيون ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتبرها بعض المحللين والمراقبين ومنظري الحروب ومؤرخي المعارك اعتبروها حدثا عسكريا تاريخيا غير مسبوق وأمر سيتم دراسته في الأكاديميات العسكرية ، فعملية طوفان الأقصى اكثر جراءة من اقتحام قلعة (طروادة) وأكثر صعوبة من اقتحام «خط ماجينو» وأكثر تعقيدا من معركة «ديان بيان فو» وأشرس من هجوم «بيرل هاربر» ، وقال محللون عسكريون إن ما قام به الفلسطينيون أمر كبير ويستحق الدراسة والإشادة ، فقد أكد وزير الدفاع الباكستاني الأسبق والجنرال المتقاعد (نعيم خالد لودهي)، إن ما قامت به المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي (معركة طوفان الأقصى) يعتبر معجزة عسكرية بكل المعايير ، وقال لودهي في حديث لوسائل إعلامية : أن تقوم مجموعة من المقاتلين يُعدون بالمئات من قطاع غزة بالهجوم على ثكنات عسكرية لجيش كبير متطور محصن بأحدث وسائل الحماية المتطورة وتحيط به أسيجة إلكترونية وأخرى أسلاك شائكة بالإضافة للأسوار العالية، لا يمكن وصفه إلا بالخارج عن المألوف ، وأضاف لودهي أن أي عسكري يتابع الحالة الإسرائيلية، يجد أن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب دائمة ويقوم بمناورات كثيرة وتدريبات متواصلة، إلى جانب التسليح بكل ما هو متطور من أسلحة وأدوات تأمين ومراقبة وإنذار وعلى أعلى المستويات.، ورغم ذلك تمكنت مجموعة من المقاومين الفلسطينيين في عملية طوفان الأقصى من اختراق كل ذلك وإيقاع خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي، وأردت المئات منهم قتلى وأسرى ، واستولت على ثكناتهم العسكرية لعدة ساعات كما استطاعت الحصول على أجهزة الكمبيوتر التي كانت هناكلا واستولت على معلومات استخبارية عالية الأهمية ، وتابع الجنرال الباكستاني والخبير العسكري حديثه قائلا : بأن جيش الاحتلالى تعرض لمفاجأة كبيرة مكث بعدها عدة ساعات دون أن يعرف ما الذي يحدث وكيف عليه أن يتصرف، حيث تمكن المقاومون من اختراق المنظومة الأمنية وتعطيل كاميرات المراقبة، وهو الأمر الذي أتاح للفلسطينيين إكمال مهمتهم من مهاجمة العدو وتحقيق الأهداف والانسحاب بأقل الخسائر. وأثنى على عناصر المقاومة الفلسطينية، الذين وصفهم بالرجال الصادقين والجنود الشجعان، مؤكدا أن ما تم لم يكن ليتحقق لولا التدريب العسكري المتواصل وعلى أعلى المستويات، إلى جانب إيمانهم العميق بقضيتهم وفدائيتهم العالية. واعتبر الجنرال أن المقاومة الفلسطينية من خلال عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر شرخت وحطمت الصورة التي كان الجيش الإسرائيلي يحرص على أن يظهر بها، بأنه الأقوى في المنطقة ولا أحد يستطيع أن يغير هذه الصورة، وكل التجارب السابقة كانت تظهره بالمنتصر على الجيوش العربية، فجاءت المقاومة الفلسطينية وكسرت هذه الصورة، مشيرا إلى قناعته بأن قتلى الإسرائيليين جراء هذا الهجوم أكثر بكثير مما هو معلن. وأضاف أن الذين يسقطون من الإسرائيليين في الهجوم على غزة أكثر مما هو معلن، معتبرا أن هناك سيطرة على وسائل الإعلام الإسرائيلية حتى لا يتم ذكر إلا ما تسمح به قوات الاحتلال. وعن الخسائر الكبيرة في الأرواح التي قدمها الفلسطينيون لابعد عملية طوفان الأقصى، اعتبر الجنرال الباكستاني أن أي حرب تحرير في أي مكان في العالم يتبعها عادة فاتورة كبيرة في الأرواح والتكاليف المادية، مؤكدا أن المقاومة الفلسطينية انتصرت في طوفان الأقصى منذ البداية، وهو الأمر الذي يعيه الإسرائيليون، فكان رد فعلهم جنونيا، فتمادوا في قتل الأبرياء وتدمير البيوت والمستشفيات والمدارس، وهى عادة المهزوم فى المعارك الحقيقية حيث يلجأ للاستقواء على المدنيين العزل ، وحتى صحف العدو الإسرائيلى نفسه أعربت عن المفاجئة والدهشة من تكتيكات المقاومة وإنجازاتها التي مزقت أسطورة جيش إسرائيل وأكذوبة أنه لا يُقهر ، وكتبت صحيفة «يديعوت أحرانوت» قائلة : يبدو أنه علينا أن نعيد النظر فى معتقداتنا وما نقوله للناس ، فلم يعد جيشنا يخيف وفقدنا عامل الردع وهذا سيغير معطيات الواقع إلى الأبد ، لقد كانت إسرائيل تتفاخر بقوة جيشها المدعوم غربيا وأمريكيا والذي يملك احدث الأسلحة ويحصل على الخبرات والمعلومات والأموال والأسلحة بدون حساب ، وكان العدو يفتخر بانتصاراته السابقة ضد الجيوش العربية ويتغنى بمعركة الساعات القليلة أو حرب يونيو 1967 م،والتي استطاع فيها جيش العدو هزيمة أربع جيوش عربية هزيلة واستطاع تدمير الطائرات والمطارات العربية فى هجوم مباغث وعدوان لاحتلال مزيد من الأراضى العربية حيث هزم الجيش السوري والمصري والأردني وهاجم مطارات فى العراق واحتل هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومدينة القدس التي كانت تحت سلطة الأردن ، يومها تفاخر العدو الإسرائيلي بقوة جيشه وأنه جيش لا يًقهر ، وخلال السنوات التي أعقبت حرب يونيو 67 م كرس العدو لمفهوم قوته وقدرة جيشه وزرع اليأس والإحباط من قدرة الفلسطينيين على نيل حقوقهم ،لا سيما أنه جيش بُني على موروث إجرامي فهو بذرته عصابات « الهجانا وشتيرن الإرهابيتان « والتي تأسست على القتل وارتكاب المجازر وقتل وتشريد وتدمير القرى والمدن الفلسطينية ، إلى أن جاءت عملية طوفان الأقصى المعجزة والتي ردت الصاع صاعين وحطمت أسطورة الجيش الكاذبة وأثبتت أنه جيش مجرم لا قدرة له على المواجهات الميدانية الشريفة ، وأن ما يفعله هو استخدام مبدأ التفوق الناري والتقني أمام شعب أعزل ، لكن المقاومين مرغوا أنف العدو فى الوحل ، وأثبتوا أن الحرية ينالها الأبطال وثمنها الشجاعة والجراءة والدماء ،فرحم الله شهداء فلسطين ، واللعنة والعار على الغاصب الظالم المدعوم أمريكيا ، وتبقى الحكمة وهي، ما ضاع حق وراءه مطالب ، خصوصا إذا كان الحق هو أرض ومقدسات وتاريخ وكان من يطالب به يؤمن بحتمية تحقيق النصر على
شذاذ الآفاق وهمج القرن الحادي والعشرين .
* د. أبو القاسم عمر صميدة