أمريكا لا تستطيع العيش من دون أعداء، لا يمكنها التنفس بلا أزمات دولية ومعارك جانبية، تحتاج دائماً لتثبت أنها شرطي العالم وحارسه الأمن، حتى لو لم يطلب منها أحد ذلك، أزمتها المصطنعة مع كوريا الشمالية وإيران تؤكد هذه الحالة وتكشف أعراض هذا المرض. أحياناً نشعر بأن الولايات المتحدة تعمل عكس مصالحها، وتسير في غير الاتجاه الذي يريده مواطنوها، كل ما يطلبه الشعب الأمريكي من بلاده هو أن يكون اقتصادها قوياً وحياة سكانها مرفهة، يريدون بطالة أقل وإنتاجاً أكثر، يأملون في أدنى تضخم وأعلى دخل، لا يهمهم ما يجري في بيونغ يانغ ولا ما يدور في بحر الصن. وسائل الإعلام التي تقودها النخبة الحاكمة وتسيرها منظومة المصالح المتقاطعة للشركات الكبرى تصنع الأزمة وتضخم الرهانات وتجر الشارع وراءها بلا وعي أو إدراك، فهي من تحدد له أعداءه وتصنع له خصومه وتفرض عليه السير في الاتجاه الذي ترسمه له وتحدد معالمه. الولايات المتحدة اليوم تمتلك 750 قاعدة عسكرية في 70 دولة، ولديها أكثر من مائة ألف جندي في أوروبا وحدها، وسمح قانون الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2023 المالي بتخصيص 858 مليار دولار للإنفاق العسكري، أي عشرة أضعاف الميزانية العسكرية لروسيا. دولة كهذه، وبهذه المواصفات وهذا التغول صارت تشكل خطراً على العالم وتحولت من مجرد شرطي يقبض على هذا ويمنع ذاك إلى قاضٍ يصدر الأحكام وينفذها بلا رادع أو مانع. لكن ما يشهده العالم الآن وما يرصده الخبراء والمحللون يؤكد بأن المستقبل لن يكون أمريكاً ولن تُصنع معالمه في البيت الأبيض أو البنتاغون ولا حتى في الكونجرس.
خالد الديب