نظلم الفن أحيانا ، حين نحشره في زاوية
واحدة ، هي زاوية الموسيقى والغناء، أو الرقص، أو
التمثيل ، او الرسم فقط … فالفن بمفهومه الواسع
غير ذلك بكثير .. الفن بمفهومه الواسع القدرة على
إنجاز عمل ما بذوق ، وحس فني متقن ، حيث يأتي
هذا التناغم من خلال التصالح مع الذات ، تحت
مظلة الدين والعقل والقيم … وفي تعريف السياسة :
هي فن الممكن … و السياسي الناجح هو الذي
يذهب إلى فن ترويض المستحيل .
تحدثت في إحدى محاضراتي ، عن عنصر
الفن في الأدب، وقلت أنه لا غنى عنه في أي عمل
أدبي وغير أدبي ، فمتى حضر هذا العنصر كانت
النفس في منتهى الراحة والقبول ، والعمل في غاية
الإتقان ، حتى أن وجبة الأكل ، إذا قام صاحبها
بإعدادها بفن كانت فاتحة للشهية، ومقبولة عند
آكلها … وحتى الخطيب إذا لم يكن عنصر الفن والإتقان
حاضر في خطبته ملته الإسماع ، وسمجته العقول ..
وهكذا الموظف والطبيب والمعلم . عند ذلك
سألني أحد طلابي قائلا : كيف يكون عنصر
الفن حاضراً عند الفلاح ، يا أستاذي؟ فقلت له :
الفلاح يا بني لا يتحدث عن الفن، وإنما يصنعه
…!. كما يعزف صاحب القيثارة ألحانه ..
نعم يصنعه بمحراثه الذي يدغدغ به الأرض ،
فإذا بها أشكالا هندسية جميلة يلاطفها الاخضرار
حينا ، وتلونها الأزاهير حينا آخر . وعندما يغيب
عنصر الفن عن أي عمل يحل بدله عنصر القبح
، والشحوب ، الذي يعكر المزاج ، ويطفيء شموع
الأمل في النفوس … فما أجمل الفن حينما يكون بوعي
* الدكتور. خليفة العتيري